الصفحة الرئيسية > واحه السلام > سكينه - المركز الروحي > للذكرى والاعتراف
احياء ذكرى احتلال، طرد ودمار قرى اللطرون الثلاث
عمواس، يالو وبيت نوبا
يوم السبت ، السابع من حزيران تجمع حوالي 150 شخصاً في قاعة واحة السلام لاحياء الذكرى السنوية السادسة والثلاثين لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة " نكسة ال 67"، وبالتحديد لاسترجاع الحدث التراجيدي الى الذاكرة لمنطقة ليست ببعيدة عنا جغرافياً، هنا في منطقة اللطرون.
لقد قامت ثلاث هيئات بالتحضير لهذه المناسبة:
"لجنة التنسيق الموحدة لقرى اللطرون الثلاث" من أبناء عمواس، يالو وبيت نوبا، والتي تعمل من أجل الاعتراف بالمأساة التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني والعمل على تصليحه من خلال المطالبة بحق العودة
لأهالي هذه القرى الثلاث.
"متذكرات"- (هيئة اسرائيلية)، تعمل من أجل الاعتراف الأخلاقي بالمأساة التي سببتها الدولة الاسرائيلية ومؤسساتها للشعب الفلسطيني.تقوم اللجنة بتعليق اللافتات على بقايا القرى المدمرة، دراسة وترجمة تاريخ وجغرافيا النكبة الى اللغة العبرية، بناء بنك من المعلومات والخرائط حول النكبة، تطوير امكانيات وآليات تربوية.
"سكينة- دومياة"، المركز الروحاني البلورلستي في واحة السلام والذي يعمل على تقديم أهداف القرية عن طريق بناء أطر لفعاليات تربوية وثقافية لتطوير الاصغاء، الفهم المصالحة بين الشعبين الفلسطيني واليهودي.
في هذه الأيام التي تقوم بها سلطات الاحتلال ببناء الجدار العازل فعلياً قررنا نحن العرب واليهود عمل خطوة اضافية من أجل الاعتراف بنكبة شعبنا الفلسطيني وتوجيه النداء لإسراء الحق لللاجئين الذين اقتلعوا من أراضيهم من أجل المصالحة وإرساء السلام والمساواة.
لقد اخترنا سرد رواية قرى اللطرون الثلاث وتعليق لافتات لأن قصصهم تشكل مثالاً للسياسة الاسرائيلية التي تختار انكار وتجاهل ما حدث. فقد تمّ بناء متنزه "كندا-أيلون" على هذه الأراضي ومع ذلك كل اللافتات لا تذكر التاريخ الفلسطيني القريب للمكان، كل الذي يقرأه آلاف السواح هو التاريخ الروماني والعبري ولمسات أخرى.
خصصنا في ذلك اليوم القسم الأول لسماع شهادات من أشخاص عايشوا المأساة ومن كلا الطرفين، الفلسطينيون من جهة واليهود من الجهة الأخرى، وكذلك رأينا معاً شهادات مصورة.
أما في القسم الثاني من البرنامج، فقد توجه الحضور الى أراضي القرى الثلاث والتي تسمى "بارك كندا/أيلون" منذ السبعينات، وهناك وعلى أنقاض قرية يالو عقدت المراسيم وعلقت اللافتات التي حددت إسم كل قرية وعدد سكانها قبل الطرد والتهجير.
وصف الحدث تقدمه لنا القيمتان عليه : ديانا ودوريت – المنظمتان من واحة السلام:
بينما كنا منهمكتين بالترتيبات الأخيرة في قاعة الاحتفالات، وصلت سيارة تقل ممثلي القرى الثلاث الذين وصلوا من أماكن سكناهم في الضفة الغربية- منطقة "رام الله".
على الرغم من أن مدينة رام الله لا تبعد أكثر من مسافة النصف ساعة سفر، فقد كان على ضيوفنا السفر حوالي أربع ساعات في الطرق الالتفافية حتى لا يمنعهم الحاجز من العبور. كان استقبالهم حافلاً مفرحاً ومثيراً، كذلك فقد بدا الانفعال عليهم أيضاً.
أخذت القاعة تمتلئ بالحضور الذي ضم بعض من سكان الواحة، أصدقاء، جيران من دير اللطرون وكيبوتس نحشون وكذلك نشيطون من جمعية الدفاع عن المهجّرين وغيرهم.
بعد أن ألقى المنظمون كلماتهم الافتتاحية انتقل الميكروفون لممثلي القرى الذين صعدوا واحداً تلو الآخر لسرد قصصهم.
دار الحديث باللغتين العربية والعبرية بنجاح بفضل المترجمة : تغريد شبيطة.
كان السيد نهاد جبر أول المتحدثين وهومن مواليد قرية عمواس. عمل السيد نهاد مديراً للمدرسة الثانوية الشاملة للقرى الثلاث وكان في الثلاثينات من عمره وقت الاحتلال والطرد. أما اليوم فهو رئيس جمعية التنسيق الموحدة للقرى الثلاث.
لقد أعرب السيد نهاد عن أسفه الشديد لعدم مقدرته على دعوة الحضور لاحتساء القهوة العربية معه في بيته وقريته عمواس، وكذلك عن حزنه العميق لما آلت اليه أوضاع أهالي هذه القرى من طرد وتشريد بدون ذنب ولا سبب. "السلام الحقيقي هوالسلام العادل- سلام حقيقي يرتكن على الاعتراف المتبادل في حق كل من الشعبين للعيش على هذه الأرض جنبا الى جنب".
وفي سياق ذلك توجه بحديثه الى الأصدقاء من "كيبوتس نحشون" والذين جاورهم سنوات ما قبل النكسة قائلاً لهم: " أنتم تشهدون بأننا كنا خير جيران فلماذا حل بنا هذا الدمار؟" .
أما الممثل الثاني للجنة القرى الثلاث فقد كان السيد أحمد أبو الرّب ابن قرية يالو وعضو فعال في اللجنة.
" فقد أهالينا كل أملاكهم – وقامت اسرائيل بتحويل أراضينا الى محمية طبيعية"! .
حدثنا السيد أحمد أيضاً عن الاشتياق والحنين الذين ينقلهما الأهل الىأبنائهم من الجيل الثاني من المهجرين، عن تعاليمهم لأبنائهم بالرغبة في عدم نسيان الماضي ومن أجل العيش بسلام وتوجه الى الجمهور طالباً منهم المساعدة والدعم ليتمكنوا من العودة الى أراضيهم وقراهم وارساء العدل على قضيتهم.
وأما الممثل الثالث فقد كان السيد اسماعيل زايد ويعتبر من بعدهم كي لا ينسوا. قال السيد اسماعيل أنه يجب أن لا ننسى الروايات التي سمعناها من أهالينا مواليد قرية بيت نوبا، الأهازيج والأغاني في فترة الحصاد ، نساء القرية المجتمعات حول نبع الماء بملابسهم المطرزة بالخيوط الحريرية الملونة. وقد أعرب عن رغبته في الرجوع الى القرية والعيش على أراضيها بسلام.
كان الكاتب "عاموس كينان" قد شارك في عملية احتلال القرى الثلاث وطرد سكانها بصفته جندياً سابقاً في الجيش الاسرائيلي.
وقد تحدث بدوره عن دورة للسلام كان قد شارك بها في باريس( بتنظيم الفيلسوف: هنري كوريير)، والتي ضمت فلسطينيين واسرائيليين ممن تشبثوا بموقف لا امبريالي من أجل السلام.
قام السيد كينان بعدها بقراءة التقرير الذي كتبه يوم 10 حزيران سنة 67 ، والذي نورده بايجاز:
" لقد تم اتخاذ القرار بتفجير القرى الثلاث وذلك لأسباب أمنية واستراتيجية. كان الأمر بتمشيط البيوت في القرى، أسر كل شخص مسلح، اجبار غير المسلحين على جمع متاعهم والمغادرة الى بيت سيرا المجاورة. " اتخذنا مواقعنا في مدخل القرية حتى نتمكن من منع السكان الذين يحاولون الرجوع وقمنا باطلاق النار فوق رؤوسهم بقصد تخويفهم وابعادهم.
"قام البولدوزر بقلع أشجار الزيتون والسرو. وفي أقل من عشر دقائق تحول المكان الى خرابة، تقبع تحته الممتلكات القليلة التي بقيت داخل البيوت. بعد هدم ثلاث بيوت وصلت قافلة أولى من اللاجئين من اتجاه رام الله، لم نطلق النار في الهواء ، بل تقدم منهم جنودنا الناطقون بالعربية لينقلوا لهم التعليمات. كان بين اللاجئون شيوخاً يمشون بصعوبة، نساء عجّز، أطفال بحضون الأمهات، أولاد صغار.بكى الأولاد بشدة طالبين ماء للشرب، كانت القافلة تلوح بالرايات البيضاء. أخبرناهم بأن يتوجهوا الى بيت سيرا، قالوا بأنهم يطردون من كل مكان يصلون اليه ولا يسمح لهم بدخول أي مكان، قالوا أنهم على هذه الحال أربع أيام هائمين في الطرقات دون ماء أو زاد ، قالوا أن الموت قد بدأ ينهش بهم وقد أخذ منهم من أخذ، لذلك طلبوا وباصرار أن يرجعوا الى بيوتهم والا فالأفضل أن نقتلهم".
ساد الصمت في القاعة أثناء الاستماع لهذا التقرير و لم يكسره سوى صوت السيد نهاد أبو غوش من عمواس الذي لم يتمكن من حبس دموعه من شدة التأثر وأخذ يصف تلك اللحظات العصيبة: " كنت حينها في الواحدة والثلاثين من عمري، أذكر أنهم قالوا لنا بأن نتحرك فوراً مثلما نحن دون أخذ أي شيء من متاعنا ولا حتى الحذاء. شيوخنا دفنوا تحت الأنقاض، لم يكن بيننا من يحارب ولم تطلق طلقة نار واحدة للدفاع عن بيوتنا".
أخذنا بعد ذلك استراحة قصيرة انتقلنا بعدها الى قاعة النادي حيث عرض لنا المصور يوسف هوخمان صوراً على شكل شرائح مصورة.
كان يوسف هوخمان عضو في كيبوتس هارئيل- بيت جيز حتى سنة 67. وحدث أن تعرض الكيبوتس للسطو وسرقت بعض خرافهم قبل الحرب بأيام قليلة، فقرر عدد من الأعضاء ركوب سيارة الجيب والتوجه الى عمواس للتفتيش عن الخراف هناك، انضم اليهم يوسف مصطحباً كاميرته وعاود الكرة في الغداة أيضاً. وهكذا تمكن من توثيق لحظات الاحتلال، الطرد والتشريد، والدمار... ولكنه لم يجد أي أثر للخراف.
قام السيد يوسف بعرض الصور، شرحها والاجابة عن أسئلة الجمهور، مع العلم بأن الصور نفسها غنية عن الشرح. قسم من الصور يوثق القرية قبل الدمار: بيوت حجرية جميلة، حدائق غناء تنبض بشجر الفواكه والزينة، وقسم من الصور توثق الدمار نفسه ، بولدوزرات تثير الغبار في كل مكان، ولم ينسى صاحب العدسة التقاط صور المهجرين الهائمين : قوافل من الرجال، النساء، الشيوخ والأطفال وقد قام أحد الأطفال برفع العلم الأبيض...وطبعاً لعدد كبير من الجنود ومركباتهم العسكرية.
بعد استراحة قصيرة دعي جميع الحضور لاستقلال السيارات والتوجه في قافلة طويلة الى قرى اللطرون الثلاث. من الجدير بالذكر أن أراضي عمواس وصلت الى دير اللطرون تقريباً، شارع رقم 1 والجسر الذي مررنا من تحته يمر بأراضي البلدة أيضاً. عبرنا مقبرة البلدة في عمواس، دخلنا مدخل المتنزه الذي بني من تبرعات يهود كندا الذين لم يعرفوا التاريخ القاسي لأهالي هذه القرى على ما يبدو! قبل عدة سنوات قام التلفزيون الكندي باعداد تقرير عن الموضوع مما أثار أصداء واسعة في كندا طالبت بتغيير إسم المتنزه.
تابعنا السفر في الشارع الضيق والذي تمتد على جانبيه أحجار صوانية مما يثبت وجود طريق قديم.كان هذا جزءاً من الطريق الفرعي الذي ربط بين القرى ورام الله. تقدمنا في السفر الى مطل ذا منظر خلاب يطل على بساتين بيت نوبا والمستوطنة الحالية مبو—حورون التي بنيت على أنقاض بيت نوبا.في نهاية المطاف وصلنا الى المكان الذي استقبلنا بلافتة ضخمة كتب عليها بالعربية والعبرية" أهلاً وسهلاً بكم في مركز قرية يالو" وكانت قد أعدتها حديثاً ونصبتها مؤسسة "متذكرات". وقفنا بين شجر الدوالي والرمّان واللوز والتين، وكانت في المكان نخلة يصل ارتفاعها الى العشرين متراً تقريباً والتي تمايلت مع مهب الريح. ومن على المنصة والتي كانت عبارة عن رقعة من البطون حول بئر ارتوازية حيث أمسينا وقت المغيب، سمعنا شهادات اضافية من لاجئين يعملان في دير اللطرون منذ ذلك العهد حتى يومنا هذا هما: السيد عبد الفتاح خليل والسيد أحمد علي أبو سمارة الذان تحدثا عمّا شاهداه وأبناء هذه القرى، عن المأساة في العيش مع الذكرى وعن رغبتهما مثل بقية سكان القرى بالعودة الى قراهم الجميلة التي أحبوها والتي ما زالت تعيش معهم.
ثم تحدثت السيدة ميخال زاك من واحة السلام عن أهمية الاعتراف بحق العودة، وعن ضرورة تغيير المواقف العنصرية الرافضة بالاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين ليعيشوا مع اليهود جنباً الى جنب كمواطنين متساوي الحقوق. تحدثت كذلك عن ضرورة الاعتراف بالكارثة التي حلت بالفلسطينيين وفتح باب الحوار بخصوص حق العودة في الوسط اليهودي الاسرائيلي. تتابع السيدة ميخال وتقول أنه بتوفر جميع هذه الشروط، نستطيع أن نبدأ مشواراً مبني على العدل والاصلاح مما يساعد على بناء مجتمع (سياسي واجتماعي) عادل، منصف، صادق ومتساو أكثر.
كان الدكتور زهير صباغ آخر المتحدثين وهو نصراوي الأصل، متخصص في علم الاجتماع ومحاضر في جامعة بير زيت. شاركنا الدكتور صباغ ببعض المشاهد اليومية التي تتكرر معه ومع أفراد عائلته نتيجة عيشهم في رام الله المحتلة، تحدث عن الصعوبات في الحركة والتنقل من مكان الى آخر، تحدث عن الاهانات على الحواجز من قبل الجنود الاسرائيليين وعن تواجد عناصر من الجيش الاسرائيلي على مداخل الحرم الجامعي بل وبداخله في أحيان عدة. انتقل بعد ذلك الى عرض تاريخي قصير حول سياسة " التطهير العرقي" الذي يتم في بلادنا منذ بداية القرن العشرين حتى الآن والذي يشبه ما يحدث في دول أخرى في أنحاء أخرى من العالم. أكد الدكتور صباغ أهمية الاعتراف بهذه الأحداث حتى لا يتم نسيانها في المستقبل ، وقام باقتباس من بحث أجراه مؤرخ صهيوني جاءت فيه هذه الأرقام الصعبة:" يورد أرييه يتسحاكي تقريراً يفي باقتراف 110 مذابح في فترة النكبة سنة 1948، منها أكثر من حوالي 20 مجزرة ارتكبت في حق 50 شخصاً، 90 مجزرة ارتكبت في حق أعداد تتراوح بين العشرة والخمسين شخصاً". أما حسب المؤرخ بني موريس فقد تم تدمير وهدم 370 قرية فلسطينية بينما يرفع آخرون العدد الى أكثر من 400، والسبب في الهدم هو قطع خط الرجعة على السكان ومنعهم من الرجوع الى قراهم.
ان القصد من وراء كل ذلك هو إلغاء شرعية السكان الأصليين هذا النهج الذي تتبناه الدول الاستعمارية ، كذلك هو الأمر مع حكومات اسرائيل وسياساتها التي تلغي وجود الشعب الفلسطيني ولا تشجع العيش المشترك.
وفي الختام عرض الدكتور صباغ اقتراحه وفكره لحل النزاع وهو دولة مشتركة للشعبين ذات سيادة اجتماعية متساوية.
في نهاية البرنامج نصبنا بقية اللافتات في المنطقة بحيث حملت كل لافتة اسم احدى القرى وبضعة معلومات عنها. قام البعض باعداد الحفر للافتات، آخرون أحضروا المياه لجبل الاسمنت لتقوية الأعمدة. لافتات أخرى نصبت على مقابر عمواس ويالو.
بقيت اللافتات شامخة لمدة يومين اثنين فقط حتى أنزلها رجال الكيرن كييمت الاسرائيلية. وعندما سألهم ايتان مؤسس "متذكرات" عن سبب عدم إنزال عشرات اللافتات الاخرى على جانبي الطريق كان الرد "أن اللافتات السياسية هي موضوع مختلف". فسأل ايتان ثانية" اذاً اللافتة قانونية حين تعلن عن وجود حمام روماني في أراضي عمواس وتتجاهل الحقيقة التاريخية الحديثة من وجود مقبرة في عمواس، أليس هذا بسياسي؟" فكان الجواب: هذا حسب القانون.
لقد محيت آثار ما قمنا به في هذا المكان ولكنا نحن القيّمون على المشروع وأنتم المشاركون به أو المطّلعون عليه، نحن جميعنا شهوداً على ما كان مع أهالي هذه القرى ، ذريتهم، بساتينهم، عيون مائهم والآبار، في كل من : عمواس ، يالو، وبيت نوبا...
في فترة عملنا على تحضير البرنامج، وقعت بين أيدينا مواد سياحية عن "المتنزه". وبما أن هذه المادة كما في اللافتات تتجاهل القرى الثلاث بصورة مطلقة فقد قررنا اصدار كتيّب يستوفي المواد الناقصة...وقد كتب باللغتين العربية والعبرية وممكن الاطلاع عليه في الموقع: www.nswas.org/memory
كذلك بامكانكم الحصول على الكتيب عن طريق طلبه في البريد الالكتروني: Dorit@nswas.org
أو هاتف رقم: 9912222-02 ، داخلي 8